فوائد المحن
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ؛ سيدنا محمد وعلى أهله وصحبه أجمعين .
اللهم لك الحمـــد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظـيم سـلطانك ...
اللهم لك الحمـــد بما يوازي نعمك و يكافي مزيدك ...
اللهم لك الحمـــد حتى ترضى،ولك الحمد بعد الرضا،ولك الحمد على أنك رضيت
اللهم لك الحمـــد بالإسلام ، و لك الحمد بالإيمان ، و لك الحمد بالأهل و المــال والمعافاة ...
كبدت عدونا ، وأظهرت أمننا ، وأحسنت خلاصنا ، وأتممت معافاتنا ، ومن كل ما سألناك ربنا أعطيتنا ...
فلك الحمد على ذلك كثيرا ، الحمد لله على العافية ...
إخوتاه ... إنها المحن
اللهم
إنا لا نتطلبها ، ونقول سـنـصـبـر عليهـا أو نحن مستعدون لها ، فلا يجوز
لمسلم أن يعرض نفسه للفتنة وقد لا يصبر عليها ، أو يـضـع نفـسه موضع الذل
والهوان، أو موضع المتسلط عليه من الكفار ، فنصبح فتنة للذين كفروا ،
ولـكـن إذا تـعـرض الـمـسلم للمصائب والمحن بقدر من الله ولحكمة يريدها
الله ، فلابد أن يصبر ويتقي الله ، وبعدهـا يؤتي الله نصره من يشاء ،
وعندما يتعرض المسلمون للمحن والرزايا فلاشك أن في ذلك فوائـد كثـيـرة
يريدهــا الله ، كتمحيص الصفوف ومعرفة الصابرين المجاهدين ، والدخلاء
الذين هم غثاء كغثاء السيل.
وللإمام عز الدين محمد بن عبد السلام رحمه الله لفتات طيبة في هذا الموضوع ، ننقلها بطولها لأهميتها ، قال :
( وللمصائب والمحن فوائد تختلف باختلاف رتب الناس :
أحدها: معرفة عز الربوبية وقهرها.
الثاني
: معرفة ذل العبودية وكسرها ، وإليه الإشارة يقول تعالى: {الَذِينَ إذَا
أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إنَّا لِلَّهِ وإنَّا إلَيْهِ
رَاجِعُونَ} ، اعترفوا بأنهم ملكه وعبيده ، وأنهم راجعون إلى حكمه وتدبيره
، لا مفر لهم منه ولا محيد لهم عنه.
الثالثة : الإخلاص لله تعالى ، إذ لا مرجع في
رفع الشدائد إلا إليه : {وإن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إلاَّ هُوَ}.
الرابعة : التضرع والدعاء: {وإذَا مَسَّ الإنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا} .
الخامسة : تمحيصها للذنوب والخطايا :« ولا يصيب المؤمن وصب ولا نصب حتى الهم يهمه والشوكة يشاكها إلا كفر به عن سيئاته » رواه مسلم.
السادسة
: ما في طيها من الفوائد الخفية : {فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً
ويَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} ، ولما أخذ الجبار سارة من
إبراهيم عليه السلام كان في طــي تلك البلية أن أخدمها هاجر ، فولدت
إسماعيل لإبراهيم عليهما السلام ، فكـان من ذرية إسماعيل خاتم النبيين ،
فأعظم بذلك من خير كان في طى تلك البلية.
السابعة : إن المصائب والشدائد تمنع من الأشر والبطر والفخر والخيلاء والتكبر والتجبر.
ولهذه
الفوائد الجليلة كان أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمـثـل ،
كالذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم ، وتغربوا عن أوطانهم ، وتكاثر أعداؤهم
، ولم يشبع سيد الأولين من خبز مرتين ، وأوذي بأنواع الأذية ، وابتلي في
آخر الأمر بمسيلمة وطليحة والعنسي ، قال عليه الصلاة والسلام : «مثل
المؤمن كمثل الخامة من الزرع تفيئها الريح تصرعها مرة وتعدلها مرة حتى
تهيج».
الثامنة : الرضا الموجب لرضوان الله تعالـى ، فإن المصائب تنزل بالبر والفاجر، فمن سخطها فله السخط ومن رضيها فله الرضا .
ونحن نسأل الله تعالى أن يمكن للمسلمين بعد المحن والرزايا وأن يستفيد المسلمون الدروس الكبيرة من هذه المحن .