في يوم من الأيام كان رجل في بيته فأصابه جوع شديد ، ولم يجد شيئاً عنده يدفع به ذلك الجوع . يقول : فخرجت أبحث عن طعام فلم أجد ، فوجدت كيساً من حرير مشدوداً برباط من حرير ! فأخذته وجئت به إلى بيتي وحللته فوجدت بداخله عقداً من لؤلؤ لم أرَ مثله من قبل ! فربطته وأعدته كما كان ، ثم خرجت أبحث عن طعام فإذا بشيخ ينادي ويقول : من وجد لنا كيساً صفته كذا وكذا فله خمسمائة دينار من الذهب ، فقلت في نفسي : إني محتاج وجائع فآخذ هذه الدنانير لأنتفع بها وأرد عليه كيسه لا ضير في ذلك . فقلت له : تعال إلي ، فذهبت به إلى بيتي ، وسألته عن علامة الكيس وعلامة اللؤلؤ ، فإذا هو كما قال ، فدفعته إليه ، فدفع إليّ ( 500 ) دينار الجائزة ، فقلت له : يجب عليّ أن أعيده لكَ ولا آخذ جزاءً . فألحّ عليّ كثيراً وأنا أحوج ما أكون ! فقلت له : والذي لا إله إلا هو ما آخذ جزاءً من أحد سوى الله!! فتركني ومضى ورجع الشيخ بعد موسم الحج إلى بلده ، وأما ما كان مني فإني خرجت من مكة وركبت البحر في وسط أمواجه المتلاطمة ، فانكسر المركب وغرق الناس وهلكت الأموال ، وسلَّمني الله إذ بقيت على قطعة من المركب تذهب بي يميناً ويساراً ، بقيت مدة في البحر تتقاذفني الأمواج من مكان إلى مكان حتى لفظتني إلى جزيرة فيها قوم أميون لا يقرؤون ولا يكتبون . فجلست في مسجدهم وقمت أقرأ فما أن رآني أهل المسجد حتى اجتمعوا عليّ وقالوا : علمنا القرآن ، فعلمتهم ، فحصل لي من ذلك خير عظيم . فرغبوا فيّ ، فقالوا لي وهم يريدون أن أبقى معهم : عندنا صبية يتيمة عندها شئ من الدنيا ، نريد أن نزوجها لك ، فامتنعت ! فألحوا عليّ ، وألزموني فلم أملك أمام إلحاحهم إلا أن أجبت لطلبهم فجهزوها لي وزفوها إلي ، فزفها محارمها ، فجلست معهم و إذا بي أنظر إليها و إذا بذلك العقد الذي رأيته في مكان معلقاً في عنقها !! دهشت! وما كان لي حينئذٍ من شغل إلا النظر لهذا العقد ، فقال محارمها ، كسرتَ قلب هذه اليتيمة لم لا تنظر إليها ؟ وإنما تنظر إلى العقد ، قلت : إن لهذا العقد قصة معي ، فقصصتها عليهم ، فصاحوا وصرخوا بالتهليل والتكبير فقلت : سبحان الله ما بكم ؟ قالوا : إن الشيخ الذي أخذ منك العقد في مكة هو أبو هذه الصبية وكان يقول عند عودته من الحج : والله ما وجدت على وجه الأرض مسلماً كهذا الذي ردّ عليّ العقد بمكة ، اللهم اجمع بيني وبينه حتى أزوجه ابنتي ، وتوفي ذلك الرجل وحقق الله دعوته وزوجك بابنته . فبقيت معها مدة من الزمن فكانت خير امرأة رزقت منها بولدين ، ثم توفيت فعليها رحمة الله ، فورثت العقد المعهود أنا وولداي ، ثم توفي الولدان واحداً تلو الآخر ، فورثت العقد منهما . (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) ، " من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه " .