منتدى إذاعة أم القرى من بغداد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى إذاعة أم القرى من بغداد

مرحبا بكم معنا حيث الفائده المميزه شعارنا
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 دقة بدقـــــــــــــــــة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
رشا الشيخلي
مشرف يحمل الوسام الفضي
مشرف يحمل الوسام الفضي
رشا الشيخلي


انثى عدد الرسائل : 740
العمر : 40
تاريخ التسجيل : 31/03/2008

دقة بدقـــــــــــــــــة Empty
مُساهمةموضوع: دقة بدقـــــــــــــــــة   دقة بدقـــــــــــــــــة Emptyالسبت أبريل 05, 2008 2:57 am



دقـــة بدقـة1

للأخ صلاح تحسن

كان تاجراً كبيراً وكانت تجارته بين العراق وسورية يبيع الحبوب في سورية ويستورد منها الصابون والأقمشة .
كان رجلاً مستقيما في خلقه قويَّ التدين ، يزكي ماله ويغدق على الفقراء مما أفاء الله به عليه من خير ، وكان يقضي حاجات الناس ، ولا يكاد لا يرد سائلاً ، وكان يقول
(( زكاة المال من المال وزكاة الجاه قضاء الحاجات )) .
وكان يعود مرضى محلته و يتفقدهم كل يوم تقريباً، وكان يصلي المغرب والعشاء في مسجد صغير قرب داره ، فلا يتخلف عن الصلاة أحد من جيرانه إلا ويسأل عنه ، فإذا كان مريضاً
عاده ، و إذا كان محتاجاً إلى المال أعطاه من ماله ، وإذا كان مسافراً خلفه في عياله .
وكان له ولد واحد وابنة واحدة ، بلغا عمر الشباب ، وفي يوم من الأيام سأل ولده الوحيد أن يسافر إلى سورية بتجارته قائلا له :
( ( لقد كبرت يا ولدي فلا أقوى على السفر ، وقد أصبحت رجلاً والحمد لله ، فسافر على بركة الله مع قافلة الحبوب إلى حلب فبع ما معك ، واشتري بها صابوناً وقماشا ثم عد إلينا ، أوصيك بتقوى الله واطلب منك ان تحافظ على شرف أختك )) .
وكان ذلك قبل الحرب العالمية الأولى يوم لم يكن حينئذ قطارات ولا سيارات .




(1) مثل عامي شائع يقول : ( دقة بدقة … وان زدت زاد السقا ) ، والسقا هو السقاء الذي يحترف
حمل الماء إلى المنازل ومعنى هذا المثل العامي : من يقترف اثماً يجزى بمثله .

وسافر الشاب بتجارة أبيه من مرحلة إلى مرحلة : يسهر على إدارة القافلة ويحرص على حماية ماله ، ويقوم على شؤون رجاله . وفي حلب الشهباء ، باع حبوبه، واشترى بثمنها من صابونها الممتاز وقماشها الفاخر ، ثم تجهز للعودة أدراجه إلى الموصل الحدباء .
وفي يوم من الأيام قبيل عودته من حلب ، رأى شابة جميلة تخطر بغلالة من اللاذ(1) في طريق مقفر بعد غروب الشمس فراودته نفسه الإمارة بالسوء على تقبيلها ، وسرعان ما اختطف منها
قبلة ثم هرب على وجهه وهربت الفتاة .
وما كاد يستقر به المقام في مستقره ، إلا واخذ يؤنب نفسه وندم على فعلته ولآت ساعة مندم .
وكتم أمره عن أصحابه ولم يبح بسره لاحد وبعد أيام عاد إلى بلده . وكان والده الشيخ في غرفته يطل منها على حواش(2) الدار حين طرق الباب السقاء فهرعت ابنته إلى الباب تفتحه له وحمل السقاء قربته وصبها في الحب (3) ، وآخت الفتى تنتظره على الباب لتغلقه بعد مغادرة السقاء الدار ، وعاد السقاء بقربته الفارغة فلما مر بالفتاة قبلها ، ثم هرب لا يلوي على شيء . ولمح ابوها من نافذة غرفته ما حدث ، فردد من صميم قلبه :
(( لا حول و لا قوة إلا بالله )) . ولم يقل الأب شيئاً ولم تقل الشابة شيئاً …
وعاد السقاء في اليوم الثاني إلى دار الرجل كالمعتاد ، وكان مطأطىء الرأس خجلاً وفتحت له الفتاة الباب ولكن لم يعد إلى فعلته مرة أخرى .



(2) ثياب حرير تنسج بالصين ، واحدتها : لاذة ، ويوقل العامة : لاسة .
(3) حوش الدار : بناؤها
(4) حب الماء : وعاء الماء كازرير والجرة .



لقد كان هذا السقاء يزود الدار بالماء منذ سنين ، كما كان يزود دور المحلة كلها بالماء ، ولم يكن في يوم من الأيام موضع ريبة ولم يحدث له أن ينظر إلى محارم الناس نظرة سوء ، وكان في العقد الخامس من عمره ولقد ولى عنه عهد الشباب وما قد يصحبه من تهور وطيش
وغرور …
قدم الفتى الموصل ، موفور الصحة ، وافر المال ولم يفرح والده بالصحة ولا بالمال ، لم يسأل ولده عن تجارته ولا عن سفره ولا عن أصحابه التجار في حلب . لقد سأل ولده أول ما سأله : ماذا فعلت منذ أن غادرت الموصل إلى أن عدت إليها ؟ وابتدأ الفتى يسرد قصة تجارته ، فقاطعه أبوه متسائلاً : (( هل قبلت فتاة ، ومتى وأين )) فسقط(1) في يد الشاب ، ثم أنكر .. واحمر وجه الفتى وتلعثم واطرق برأسه إلى الأرض في صمت مطبق كأنه صخرة من صخور الجبال لا يتحرك ولا يريم(2) وكان الصمت فترة قصيرة من عمر الزمن ،ولكنه كان كأنه الدهر .
واخيراً قال ابوه : لقد أوصيتك أن تصون عرض أختك في سفرك لكنك لم تفعل .
وقص عليه قصة أخته وكيف قبلها السقاء ، فلابد ان تلك بتلك القبلة وفاء لدين
عليك …
وانهار الفتى ، واعترف بالحقيقية …
وقال له أبوه مشفقاً عليه وعلى أخته وعلى نفسه : أنّي لأ علم أنني لم أكشف ذيلي في حرام ، وكنت أصون عرضي حين كنت أصون أعراض الناس ، ولا اذكر أنى
لي خيانة في عرض أو سقطة من فاحشة ، أرجو إلا أكون مديناً لله بشيء من ذلك وحين قبل
السقاء اختك تيقنت انك قبلت فتاة ما ، فادت أختك عنك دينك لقد كانت دقة بدقة وان زدت زاد السقاء !!


( 1) سقط في يده : ندم وتحير ، قال تعالى : ( ولما سقط في أيديهم )
( 2) لايريم : لايبرح .


وكانت يمامة تتغنى فوق سطح الدار وكان مما رددته :
من خاف على عقبه وعقب عقبه ، فليتق الله .
ومن تعقب عورات الناس ، تعقب الله عورته .
ومن تعقب الله عورته ، فضحه ولو كان في جوف رحم .
ومن كان يحرص على عرضه ، فليحرص على أعراض الناس ..
ومن أراد أن يهتك عرضه ، فليهتك أعراض الناس …
لذة ساعة غصة إلى قيام الساعة …
وكل دين لابد له من وفاء .
ودين الأعراض وفاءه بالإعراض ..
والمرء يهتك عرضه ، حين يهتك أعراض الناس .
والذين يفرحون باللذة الحرام قليلاً ، سيبكون على ماجنت أيديهم كثيراً .
والذين يخونون حرمات الناس يخونون حرماتهم أولاً .
ولكنهم غافلون عن آمرهم ، لانهم أخر من يعلمون …
ولو علموا الحق ، لتواروا عن البشر خجلاً وعاراً ..
((إن ربَكَ لبالمبرصاد ))
وانه اعدل العادلين …
فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون .





دقة بدقـــــــــــــــــة Get-4-2008-2hq7x2aebqv



إذاعة أم القرى .. عمل دؤوب .. وإبداع خلاّق





الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
دقة بدقـــــــــــــــــة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى إذاعة أم القرى من بغداد :: المنتدى الفكري والثقافي :: منتدى القصص والروايات-
انتقل الى: