بقلم الدكتورة زينب عبد العزيز أستاذة الحضارة الفرنسية
نعم، الحقيقة دامغة وأقوى برهانا من الخيال أو أية محاولات للتغيير والتحريف، بل وأقوى من الدفاع مغالطةً ! وهو ما يتم بكل جبروت كلما أثيرت مسألة "أن المسيحية قد إنتشرت بالسيف" .. فترتفع الأصوات معترضة ثائرة نافية – رغم كل ما يحمله التاريخ من وثائق، وأدلة، وبراهين تثبت المشوار الدامى للمؤسسة الكنسية الرومية، منذ أن أصبحت الديانة الرسمية الوحيدة للإمبراطورية الرومانية، فى أواخر القرن الرابع، بعد إقتلاع الديانات الوثنية والمحلية الأخرى .. وهو مشوار تواصل بلا إنقطاع من وقتها حتى يومنا هذا، وإن إختلفت الأساليب والوسائل، لكن، من الواضح أن الإقتلاع أو إقتلاع الآخر هو القانون لديها !
فلقد نشر موقع "المصريون" اليوم، 17/2/2008، مجرد رسالة وصلت إلى رئيس التحرير، الذى نشرها بدوره محملا مسؤليتها على من أرسلها لغرابتها .. وبما أن الخبر جدير بالتأمل، فقد بادرت بالتعليق عليه خاصة وأن موضوع الخبر له موقع على "الإنترنت" لمن يود الرجوع إليه للتأكد ..
ويقول الخبر المتداول على الإنترنت منذ فترة، بين المواقع الفردية، أن هناك كنيسة، على بُعد 70 كيلومترا من عاصمة تشيكوسلوفاكيا، مزدانة بعظام آلاف المسلمين ! والخبر يتم تداوله بالصور المأخوذة عن الموقع دون ذكر لذلك الموقع، وهو ما يؤجج المشاعر ويشعل الفتن بلا داعى – على الرغم من أن الواقع أكثر مرارة وألماً ..
ويحكى النص المعلن فى ذلك الموقع ان هذه الكنيسة كانت لأحد الأديرة التابعة لفرقة السيسترسيين الكاثوليك، وأنها ترجع إلى القرن العاشر ومرفق بها مدافن، وتم توسعتها، ويقال أنه فى عام 1218 قام رئيس الدير برحلة للأراضى المقدسة وعاد ومعه حفنة من تراب الآثار الناجمة عن الحروب الصليبية هناك ونثرها على المقابر للتبرك !..
و أيام وباء الطاعون الذى إجتاح أوروبا ضمت المقابر رفات 30000 إنسانا، ثم أضيف إليها ضحايا الحرب التى قادتها الكنيسة الرومية ضد البروتستانت وكانت لأكثر من 40000 الف شخصا، هم أتباع جان هاسّ، عميد كلية اللاهوت فى مدينة براغ، وكان يعترض على صكوك الغفران والمتاجرة بالدين، ويتهم البذخ الفاحش الذى يعيش فيه رجال الدين، وخاصة قيادة المؤسسة الكنسية وإبتعادهم الصارخ عن تعاليم يسوع .. فأقالته الكنيسة وحرمته ثم أدانه مجمع كونستانس عام 1414 وقامت محاكم التفتيش باعتقاله ومحاكمته وتم حرقه حيا على أنه هرطقى لا بد من إبادته !
وتراكمت جثث الضحايا بالآلاف أتلالا عقب المعارك الدينية المختلفة سواء مع البروتستانت أو الأريوسيين أو الكاتار والبوجوميل والفودْوَا، بينما المسيحية تنتشر بصورة قانية متواصلة !!.. وكل معركة من هذه المعارك تحصد الآلاف من ضحايا التعصب .
وفى عام 1870 طلب القس المسؤل عن هذه الكنيسة من الفنان التشيكى فرانتيشك رينت Frantisek Rint أن يعيد تنزيين الكنيسة بعد ترميمها تخليدا لتاريخها "المجيد" .. فقام باستخدام الهياكل العظمية لأربعين الف إنسان لتصبح الكنيسة نبراسا وشاهدا على التاريخ الكنسى الأصيل ..
ويتندر مؤسس الموقع الخاص بهذه الكنيسة الفاضحة، بالمستوى "الإبداعى" للفنان رينت هذا، على أنه إستطاع عمل النجف الرئيسى باستخدام كافة أنواع وأشكال العظام الآدمية التى يحتوى عليها جسم الإنسان، كما قام بجمع عظام الآلاف من القتلى داخل وعاء زجاجى، على شكل أجراس ضخمة، وضعها فى أركان الكنيسة الأربعة.. والصور المرفقة تقول ما فيه الكفاية !
وأياً كان أصحاب تلك العظام المغلوبة على أمرها والدالة على إغتيال الآلاف المؤلفة من البشر، سواء أكانوا من المسلمين أو البروتستانت أو الأريوسيين الموحدين بالله والرافضين لتأليه المسيح، أو لأى ملة من الملل، وكان من الأكرم دفنها إحتراما لحرمة الموتى، فلا يوجد أى دليل إدانة أقوى وأصدق وأعنف من دليل تلك الكنيسة، التى تجأر بأعلى صوت، أنها تشهد على المذابح التى قادتها الكنيسة لفرض عقيدتها، وعلى أن المسيحية قد إنتشرت فعلا بالسيف فى جميع أنحاء العالم !
والطريف أن الكنيسة تدعى : " كاتدرائية صعود السيدة مريم والقديس يوحنا المعمدان " .. ويا له من عنوان لصعود سماوى يتم على هياكل آلاف البشر المذبوحين ظلما وعدوانا !. والأطرف من ذلك أن منظمة اليونسكو تحافظ علي هذه الكنيسة على أنها من الآثار المجيدة للذكرى والتاريخ !!
واللهم لا تعليق سوى : أن يكف إخواننا المسيحيون عن إلصاق تهمة أن الإسلام قد إنتشر بالسيف ويروا بأعينهم مدى الخطأ الذى يقعون فيه بمثل هذا الإسقط الذى يقومون به فى حق الإسلام، و أن يكف القائمون على عمليات التنبشير والتنصير، أن يخجلوا من التاريخ الذى يحملونه على أكتافهم، وأن يرفعوا أيديهم عن الإسلام والمسلمين !!
وهى عبارة أرفعها أيضا إلى البابا بنديكت السادس عشر، الذى يقود عمليات تنصير العالم بهيستريا غير مسبوقة : ليرفع أيديه عن الإسلام الذى يحاول إقتلاعه بإصرار رهيب، بكافة الوسائل والأحاييل، وقد حان له أن يدرك أن الإسلام لم يأت، كرسالة سماوية من عند الله، إلا بعد أن حادت المؤسسة الكنسية عن رسالة التوحيد بالله وأشركت به وضلّت، فجاء الإسلام كاشفا لكل عمليات التحريف التى تمت، وكفى "قداسة" البابا آلام ما تكشفه الأيام من إدانات لمؤسسته العتيدة ..