دَخَلَتْ أُخْتي إلى غرفتي حاملةً ورقة كبيرة ملفوفة ، ابتسمتْ لي وفتحت الورقة، فإذا بها صورة لشابٍ يحملُ قيثارة، ولكنني شاهدت العجب، إنّ شعره طويلٌ ومتشابك مثل الأسلاك،وعلى وجهه بقع ملونة، كأنه مهرّج، لقد كان بنطلونه مرقعاً، ومشقوقاً من أكثر جهاته، أما قميصه فقد ارتفع وكشف عن نصف بطنه.
قفزتُ من مكاني وصرختُ : من هذا؟.
قالت أختي بهدوء: إنه المطرب الذي أحبّ سماع أغانيه.
قلتُ: ولِمَ فَعَلَ بنفسه هكذا؟
قالت: لكي تتلائم ملابسه مع أذواق المعجبين به، وسأفعل بملابسي مثلما فعل.. سأغدو جميلة وملائمة للذوق العصري.
هنا لم أعد أحتمل، فضحكت، وكنت لا أستطيع أن أكلمها من شدة الضحك ، قالت بغضب: لِمَ تضحك؟
قلت: إنكِ لا تعرفين ما تدّل عليه الملابس.
قالت بانفعال: إنها تدّل على الذوق العصري.
قلت: هذا ممكن، لكنها تدّل على القومية التي ينتمي لها الشخص، وتدّل على الظروف البيئية التي تحيط بالمكان الذي يسكنه، وتدّل على ذوقه أيضاً.
وقد تدّل أيضاً على مستواه العقلي.
فالمجنون، نظراً لأنه لا يحس بما يتلائم والذوق السليم، قد يمزّق ملابسه ويفعل مثلما فعل صاحبكِ، فالملابس تدّل على قدر احترامنا لأنفسنا وللآخرين وأذواقهم.
والأهم من ذلك تدّل على ذوقنا، إن كان سليماً أم لم يكن كذلك.
هنا ، نَظَرَتْ اختي إلى الصورة، وكانت في عينها دمعة، وهمست قائلةً:
ابتعد عنّي أيها المجنون، ورمت الصورة، وعانقتني بهدوء.